الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم
.علوم القرآن، بمعنى الفن المدون: وهناك طريقة أخرى في التأليف، فقد رأى بعض العلماء أن يجمعوا هذه الأنواع في كتاب مستقل على غرار ما صنع المحدثون في: علوم الحديث فاستخلصوا من هذه العلوم علما واحدا، يكون كالفهرس لها، يجمع خصائصها ومقاصدها، وإن لم يحط بكل مسائلها وجزئياتها فكان هذا العلم الذي سموه علوم القرآن.وقد جاء التدوين على هذه الطريقة متأخرا عن التدوين على الطريقة الأولى ثم سار بعد ذلك جنبا إلى جنب، فكان بعض العلماء يؤلف في العلم كفن مستقل، والبعض يؤلف في نوع من أنواعه..متى ظهر هذا الاصطلاح؟: كان المعروف لدى الكاتبين في هذا الفن أن ظهور هذا الاصطلاح كان في القرن السادس الهجري، على يد أبي الفرج بن الجوزي استنتاجا مما ذكره السيوطي في مقدمة الإتقان.ولكني وقفت على مؤلّف بعنوان: مقدمتان في علوم القرآن طبع في عام 1954، ووقف على التصحيح والطبع الأستاذ المستشرق آرثر جفري، وإحدى هاتين المقدمتين لمؤلف لم يعرف، لفقدان الورقة الأولى من المخطوطة.. التي نقل عنها الطابع، إلا أنه ذكر في الصحيفة الثانية منها: أنه بدأ في تأليف كتابه في سنة أربعمائة وخمس وعشرين، وسماه: كتاب المباني في نظم المعاني، وهو تفسير للقرآن الكريم وقد صدره بهذه المقدمة، وهي تقع في عشرة فصول، وهي إحدى المقدمتين المنشورتين، والأخرى: مقدمة التفسير للإمام عبد الحق بن أبي بكر المعروف بابن عطية المتوفى سنة 543 هـ.وقد ذكر صاحب كتاب المباني في فصول هذه المقدمة العشرة:المكي والمدني، ونزول القرآن، وجمع القرآن وكتابة المصاحف، واختلافها، ورد الشّبه الواردة على الجمع والمصاحف وبيان عدد السور والآيات والتفسير والتأويل، والمحكم والمتشابه ونزول القرآن على سبعة أحرف، إلى غير ذلك من مباحث علوم القرآن.وقد بلغت هذه المقدمة مائتين وخمسين صحيفة من هذا الكتاب المطبوع وتمتاز هذه المقدمة بإشراق اللفظ ونصوع البيان، وقوة الحجة، مما يلقي ضوءا على أن المؤلف من علماء الأندلس كما استنتج المصحح، وعسى أن يتاح لي، أو لأحد الباحثين الوقوف على مؤلف هذا الكتاب- إن شاء الله تعالى.وإن أغلب ما ذكره السيوطي في مقدمة الإتقان من الكتب المؤلفة في هذا الفن لا يداني هذه المقدمة، بل بعضها لا يزيد عن فصل من فصولها فهي جديرة بأن تذكر في كتب هذا الفن، وهي- بحق- تعتبر محاولة جدية في التأليف في هذا العلم، ولا يغض من قيمتها أنها مقدمة لتفسير، فكتاب الإتقان الذي هو عمدة كتب الفن قد جعله مؤلفه مقدمة لتفسيره الكبير كما ذكر.ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر: أن بعض المفسرين في القديم والحديث صدّروا كتبهم بمقدمات قيمة في علوم القرآن، لتكون مفتاحا لهذه التفاسير، ولا تزال إلى اليوم مرجعا للكاتبين في هذا الفن، وذلك كما فعل ابن جرير الطبري والقرطبي والآلوسي في تفاسيرهم، ولعل أطول هذه المقدمات وأحفلها هي مقدمة تفسير القرطبي، وهي- على طولها- لا تبلغ ما بلغته هذه المقدمة في طولها، وتنوع موضوعاتها.وبذلك أكون قد تقدمت بتاريخ هذا الفن نحو قرن ونصف من الزمان.ويرى أستاذنا الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني رحمه الله وأثابه في كتابه مناهل العرفان: أن هذا الاصطلاح ظهر في مستهل القرن الخامس على يد الحوفي المتوفّى سنة 430 هـ في كتابه البرهان في علوم القرآن، والرأي عندي: أن هذا الكتاب لا يخرج عن كتب التفسير، التي تتعرض لذكر التفسير، وأسباب النزول والقراءات، والوقف والتمام، ولا فرق بين صنيعه وصنيع القرطبي والفخر الرازي في تفسيرهما، فكتابه هذا أمس بالتفسير منه بعلوم القرآن، وإن كانت التسمية تشعر أنه بعلوم القرآن أمس، وقد ذكر رحمه الله: أن الجزء الأول مفقود، ولا أدري من أين عرف التسمية ولعله اعتمد على فهرس دار الكتب المصرية، وقد رجعت إلى كتاب كشف الظنون الجزء الأول ص 242 فتبين لي أن اسم الكتاب: البرهان في تفسير القرآن وبذلك زالت الشبهة في عدّه من علوم القرآن، وثبت أنه كتاب تفسير، وهو الحق والصواب، كما يعلم ذلك من يرجع إلى الأجزاء الموجودة من الكتاب..المؤلفات في القرن السادس: وفي القرن السادس الهجري، ألف الإمام أبو الفرج بن الجوزي المتوفّى سنة 597 هـ كتابا سماه: فنون الأفنان، في علوم القرآن وكتابا آخر سماه: المجتبى في علوم تتعلق بالقرآن..المؤلفات في القرن السابع: وفي القرن السابع: ألف الشيخ علم الدين علي بن محمد السخاوي المتوفى سنة 643 هـ كتابا سماه جمال القراء، وألّف العلامة عبد الرحمن ابن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المعروف بأبي شامة المتوفى سنة 665 هـ كتابا سماه المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالقرآن العزيز.وهذه الكتب- كما قال السيوطي-: عبارة عن طائفة يسيرة، ونبذة قصيرة بالنسبة للمؤلفات التي ألفت بعد في هذا العلم..المؤلفات في القرن الثامن: ثم أهلّ القرن الثامن: فألف فيه الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي المولود سنة 745 والمتوفى سنة 794 هـ كتابا سماه: البرهان في علوم القرآن، ذكر فيه سبعة وأربعين نوعا من أنواع علوم القرآن، وقد سردها السيوطي في مقدمة إتقانه، ثم نقل عن الزركشي قوله: واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لأفرغ عمره، ثم لم يحكم أمره، ولكنا اقتصرنا من كل نوع على أصوله، والرمز إلى بعض فصوله، فإن الصناعة طويلة والعمر قصير، وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير.وهو كتاب جليل، لا يفوقه في هذا العلم إلا كتاب الإتقان للسيوطي، وقد اعتمد عليه السيوطي في تأليف إتقانه، كما ستعلم فيما بعد.وللإمام تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني المتوفى سنة 728 هـ رسالة في أصول التفسير وهي على وجازتها قيمة جدّا، وقد اشتملت على بعض أنواع علوم القرآن..المؤلفات في القرن التاسع: ثم طلع القرن التاسع: فترعرع فيه هذا العلم، وخطا خطوات فسيحة، فقد ألف فيه الإمام محمد بن سليمان الكافيجي المتوفّى سنة 879 هـ، كتابا يقول مؤلفه عنه: إنه لم يسبق إليه وهو صغير جدّا في بابه، وقد رتبه على بابين وخاتمة:الأول: في ذكر معنى التفسير والتأويل، والقرآن والسورة والآية.والثاني: في شروط القول بالرأي.والخاتمة: في آداب العالم والمتعلم.وفي هذا القرن أيضا، وضع الإمام جلال الدين البلقيني المتوفّى سنة 824 هـ كتابا أسماه: مواقع العلوم من مواقع النجوم قال في مقدمته:قد اشتهرت عن الإمام الشافعي رضي الله عنه مخاطبة لبعض خلفاء بني العباس، فيها ذكر بعض أنواع القرآن، يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وقد صنف في علوم الحديث جماعة في القديم والحديث، وتلك الأنواع في سنده دون متنه، أو في مسنديه وأهل فنه، وأنواع علوم القرآن شاملة، وعلومه كاملة، فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إليه علمي، مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف، وقد ذكر في كتابه هذا خمسين نوعا من علوم القرآن وقد سردها السيوطي في مقدمة الإتقان.ثم جاء فارس هذه الحلبة الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين الأسيوطيّ المولود سنة 849 والمتوفّى سنة 911 هـ، فألف كتابا سماه: التحبير في علوم التفسير ضمنه ما ذكره شيخه البلقيني من الأنواع مع زيادة مثلها، وقد فرغ منه سنة 872 هـ، وقد بلغت أنواعه مائة واثنين.لكن نفسه التواقة إلى المعرفة والاستقصاء لم تقنع بهذا المجهود، فعزم على تأليف كتاب جامع يسلك فيه مسلك الإحصاء والجمع، والضبط مع حسن الترتيب، والتبويب، وفي هذه الآونة.. وقف على كتاب البرهان للزركشي ولم يكن اطلع عليه من قبل فقوي عزمه على إبراز ما أراد، وسأدع السيوطي يتحدث عن نفسه في هذه الفترة، التي خطر له فيها تأليف هذا الكتاب الجامع فيقول:فبينا أنا أجيل في ذلك فكري، أقدم رجلا وأؤخر أخرى، إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي ألف كتابا حافلا يسمى البرهان في علوم القرآن فتطلبته، حتى وقفت عليه، ثم قال: ولما وقفت عليه ازددت به سرورا، وحمدت الله كثيرا، وقوي العزم على إبراز ما أضمرته، وشددت الحزم في إنشاء التصنيف الذي قصدته، فوضعت هذا الكتاب العلي الشأن، الجلي البرهان، الكثير الفوائد والإتقان ورتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان، وأدمجت بعض الأنواع في بعض، وفصلت ما حقه أن يبان، وزدته على ما فيه من الفوائد والفرائد والقواعد والشوارد ما يشنف الآذان وسميته بـ الإتقان في علوم القرآن.وقد جعله مقدمة للتفسير الكبير الذي شرع فيه، والجامع بين الرواية والدراية، والمسمى: مجمع البحرين ومطلع البدرين، وقد جمع ثمانين نوعا من أنواع علوم القرآن.
|